قمر الحصاد

قمر الحصاد

تحت قمر الحصاد في ليلة الخامس عشر من الشهر القمري، كان جالسا بين السنابل الذهبية المنحنية يلف يديه حول جسده الذي يشعر بقليل من البرد اللذيذ محاولا أن يضفي عليه نكهة خفيفة من المتعة الدافئة، وعيناه تجوبان الحقول في كل مكان تلاحقان السنابل وهي تميل نحو الجنوب، نحو القبلة.

عيناه الحالمتان كانتا تحاكيان ضوء قمر تلك الليلة وتغوصان في لمعانه وبريقه، معالم التشاؤم،التفاؤل، الحزم، الحنان، متضادات اجتمعت كلها على رقعة ذلك الوجه المستدير، ابتسامة غريبة تجمع بين خشونة الرجل ورقة العاشق لا تفارق محياه، ابتسامته اخترقت حدود الزمان والمكان ووصلت إلى هناك.. إلى مكان بعيد مليء بالأمل والتحدي مملوء بالإصرار والتصميم، أفكار متلاحقة تسابقت إلى عقله، الأمس، اليوم، الغد، الماضي، الحاضر والمستقبل، كلها كلمات تحمل في معانيها الكثير لكل منا، لكنها تختلف من شخص إلى آخر، وبالنسبة له كانت مميزة جدا لأنها حافلة بأحداث كثيرة مرت به، وبه وحده..... ليس وحد تماما " هي كانت معه".
هي لطيفة، رقيقة، حساسه، واكثر من ذلك جذابه، عيناها لوزيتان واسعتان متألقتان بلونهما البني الغامق ،ووجهها الأبيض الدافئ بلطف،تشوبه قليل من الحمرة الناعمة ويعطي إلى إلى ناظره الأمل.

محبوبته صاحبة الجدائل النحاسية.... ينتظرها بين الحقول وتحت ضوء القمر، لكن اليوم أي قمر هذا؟ إنه قمر الحصاد، ينتظر بلهفة وشغف إطلالتها عليه كل ليلة لتجلس بجانبه حتى ينتصف الليل، يتسامران ويضحكان، تخلل أصابعها في شعره الأسود الزنبركي ويلعب بجديلتيها، ويقولان أعذب كلام الشعر.

طال انتظاره الليلة، وذات الجدائل لم تأت بعد، كان لديه هاجس لطالما انتابه خوفا من ألا تأتي، لم يكن تشاؤما، بل كان دوما في هذه المسألة يحاول أن يكون متفائلا يبحث عن الحياة بين يديها، لكن شعورا خفيا كان ينتابه رغما عنه بأنها يوما ما ستذهب ولن تعود، لكنها دوما تكسر حاجز خوفه ذاك وتأتي متلهفة تحمل في عينيها لمعان اشتياق كبير يفوق بريق قمر الحصاد.

ها هي الليلة ككل ليلة، عاد طيفها يلوح في الأفق قادمة من بعيد. ركض إليها مسرعا وأمسك جديلتيها بيديه ومسح بهما دمعتها الدافئة المعتذرة، شبك يده بيدها وسارا بين السنابل الذهبية تحت قمر الحصاد.

موضوع جميل جداً تستحقي كل شكر وثناء
والى الامام
ننتظر دائماً كتاباتك
على احر من الجمر